أزمة نقدية تضرب اليمن وحرب مالية تشل حياة المواطنين

الانباء اونلاين – محمد راجح

يعيش اليمن على وقع أزمة خانقة أصابت القطاع التجاري والمصرفي بالشلل التام وعطلت المصالح اليومية للمواطنين، بعد قيام الحوثيين بحملات مكثفة لمنع تداول العملة اليمنية الورقية المطبوعة، ونصب نقاط تفتيش في مداخل المناطق التي يسيطرون عليها لمصادرتها من المواطنين القادمين من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية.

ويشكو مواطنون وتجار وصيارفة من مصادرة مبالغ كبيرة، والتوقف عن تداول العملة المطبوعة من قبل البنك المركزي في عدن التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة لها.

ما أدى إلى أزمة سيولة خانقة في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين، خاصة في ظل اندثار فئات عدة من العملة القديمة واستخدام التالف من الأوراق النقدية التي كانت معدة للإتلاف.

ويعتبر الحوثيون أن “حيازة النقود المطبوعة يعد إضراراً جسيماً بالاقتصاد الوطني والعملة القانونية والمصلحة الوطنية العليا”.

بينما يقول البنك المركزي في عدن، إن هناك مخططاً للحوثيين بهدف الاستحواذ على أموال المواطنين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، مشددا على أن كافة الأوراق النقدية بجميع فئاتها المتداولة والمصدرة، عملة قانونية ملزمة كوسيلة للدفع في جميع المعاملات الداخلية.

وفي ظل الحرب المالية المتبادلة بين الحوثيين والمصرف المركزي في عدن الخاضع لسيطرة الحكومة، توقفت المحال التجارية وشركات الصرافة ووسائل النقل والمستشفيات والصيدليات ومختلف قطاعات الأعمال في صنعاء ومناطق سيطرة الحوثيين عن استقبال العملة المطبوعة من جميع الفئات والتعامل بها.

يقول المواطن محمد السعيدي لـ”العربي الجديد” إنه اضطر إلى رهن ذهب زوجته لمعالجتها في أحد المستشفيات، بعد قيام المستشفى برفض قبول العملة الجديدة وإبلاغه بتسديد تكاليف علاج زوجته بالعملة القديمة، التي لا تتوفر معه أو إخراجها من المستشفى.

كما يؤكد أحد التجار قيام إحدى نقاط التفتيش الواقعة في مدخل صنعاء بمصادرة مبلغ مالي كبير منه من العملة الورقية، مع تقديم وعود وهمية له بمراجعة نقاط خاصة وضعتها سلطات الحوثي في المدن الوقعة تحت سيطرتها لتسليمه سندات خاصة بالعملة الإلكترونية كما أبلغوه.

وكان تعميم صادر عن البنك المركزي في صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، حصلت “العربي الجديد” على نسخة منه، أشار إلى تعويض المواطنين “الأفراد” من غير “التجار والبنوك والصرافين” بنقد إلكتروني أو بالعملة الوطنية الذي وصفها التعميم بالقانونية عما بحوزتهم من العملة الجديدة “حسب السقف المعتمد”، من خلال منحهم فرصة تسليمها خلال 30 يوماً ابتداء من 19 ديسمبر/كانون الأول 2019 إلى أقرب مركز لوكلاء المحافظ النقدية الإلكترونية.

في المقابل، اعتبر البنك المركزي في عدن، في بيان، يوم الأربعاء الماضي، أنه “لا يجوز رفض التعامل بأي طبعة من العملة الوطنية الصادرة من البنك”.

داعيا المواطنين إلى “توخي الحذر من الدعوات المشبوهة الصادرة من قبل جهة غير مخولة قانوناً، تستهدف الإضرار بالاقتصاد الوطني وسلب مدخرات المواطنين، سواء بإلغاء عملة أو فرض أي وسائل دفع غير مرخصة قانونا”.

كما حذرت الحكومة اليمنية الحوثيين من تبعات منعهم تداول أو حيازة العملة الوطنية المطبوعة في مناطق سيطرتهم وتجريم من يتعامل بها، ومساعيهم الخطيرة لنهب رأس المال الوطني وسحب مدخرات المواطنين، عبر دعوتهم إلى استبدال العملة الوطنية مقابل ما يسميها الحوثيون النقد الإلكتروني.

واعتبر رئيس الوزراء اليمني، معين عبد الملك، في اجتماع طارئ عقده مع وزير المالية ومحافظ البنك المركزي اليمني مؤخرا، استمرار السياسات التدميرية التي ينتهجها الحوثيون لضرب الاقتصاد الوطني وتهديد الأمن القومي والمعيشي للشعب اليمني، وآخرها منع تداول العملة الجديدة الصادرة عن الحكومة الشرعية.

مما يضع المجتمع الدولي والأمم المتحدة أمام محك حقيقي لوضع حد للتلاعب والمتاجرة بحياة المواطنين وتعميق الكارثة الإنسانية التي تسببت فيها.

وفي تصريحات صحافية، دعا وزير الإعلام، معمر الإرياني، الأمم المتحدة ومبعوث أمينها العام إلى اليمن، مارتن غريفيث، إلى القيام بمسؤوليتهم وممارسة الضغط على الحوثيين لتحييد الاقتصاد عن الصراع.

مؤكدا انتهاجهم سياسات إفقار وتجويع أوصلت الأوضاع المعيشية إلى معدلات مأساوية. وتجد البنوك والمتاجر ومختلف المؤسسات الاقتصادية نفسها في مأزق شديد بين الحرب القائمة بين البنكين المركزيين في صنعاء وعدن.

وبينما يتعرضون لملاحقات من قبل سلطات الحوثيين لمصادرة الأموال المطبوعة من قبل البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحكومة الشرعية، يخرج البنك المركزي في عدن ليحذرهم من أن عدم قبول عملته يعد مخالفة صريحة يعاقب عليها القانون.

وقال المركزي في عدن، في بيان حصلت “العربي الجديد” على نسخة منه، “إذا اتضح للبنك المركزي قيام أي بنك أو شركة صرافة بالتعامل مع أي تعليمات غير صادرة من المركز الرئيسي للبنك في عدن، بحيث يكون من شأنها الإضرار أو مخالفات قانونية، فإنه سيتم اتخاذ الإجراءات والعقوبات اللازمة، حسب القانون”.

وكانت الحكومة اليمنية قد قامت في 2016 بطباعة نحو 700 مليار ريال من العملة الوطنية من مختلف الفئات، لمواجهة أزمة السيولة الحادة، كما قالت.

لكنها، حسب الخبير الاقتصادي علي البريهي، خطوة غير مدروسة وتمت بعشوائية، لأن طباعة النقود، كما يقول البريهي لـ”العربي الجديد”، لها حدود وترتبط بالناتج القومي والمحلي، لهذا عندما تطبع نقود أكثر مما تنتج فهذا خطأ كبير وله انعكاسات كارثية.

ويضيف: “إذا كان هناك طبع بدون ضوابط ويتم وضعها للتداول، هذا يؤثر على وضع سعر العملة، وإذا انخفض سعر العملة معناه ارتفاع في سعر السلع المستوردة.إذ يعتمد اليمن بشكل كبير على الاستيراد في تلبية احتياجات البلد من السلع الغذائية والاستهلاكية.

وتشهد العملة اليمنية اضطراباً كبيراً منذ أيام مع اقتراب سعر الصرف من 600 ريال للدولار الواحد، بعد تحسّن ملحوظ شهده الشهر الماضي، بعد أن بلغ 560 ريالا مقابل العملة الأميركية.

ويأتي الصراع على العملة ضمن أهم أسباب انهيارها، حسب الباحث الاقتصادي منصور عبد الرحمن، الذي يرى أن الحوثيين يغامرون بمعاناة الناس في سبيل تحقيق أغراضهم وأهدافهم الخاصة.

إذ قد تقدم الحكومة اليمنية، كما يقول منصور لـ”العربي الجديد”، على قطع مرتبات جهات عديدة في مناطق سيطرة الحوثيين، مثل المتقاعدين والصحة والعدل وغيرها من الجهات.

ويضيف أن التعامل مع العملة الوطنية بهذه الطريقة بمثابة اعتداء على السيادة اليمنية، باعتبار العملة من الرموز والثوابت السيادية لأي بلد، وكذا المساهمة في تفتيت اليمن واستهداف وحدته، لأن التعامل الراهن مع العملة ومنعها ومصادرتها كأنها عملة لدولة أخرى.

لكن البنك المركزي في صنعاء قال إن نظيره في عدن طبع نحو 1.7 تريليون ريال منذ 2015، وهو ما يزيد على ما تمت طباعته خلال 40 عاماً.

مشيرا إلى أنه يبرر الاستمرار في طباعة العملة الجديدة بحجة دفع الرواتب، بينما 70 في المائة من الموظفين لم يستلموا مرتباتهم منذ عام 2017 حتى اليوم.

ومنذ بداية الحرب الدائرة في اليمن، تم إفراغ البنك المركزي اليمني من احتياطي النقد الأجنبي المقدر بنحو 5 مليارات دولار، وأكثر من تريليون ونصف من العملة الوطنية، بينما فقدت العملة، وفق تقارير رسمية، 150 في المائة من قيمتها.

وأدى انهيار العملة وأزمة السيولة الحادة إلى ارتفاع التضخّم إلى نحو 40 بالمائة، إضافة إلى ارتفاع كلفة سلة الغذاء 60 بالمائة، وزاد متوسط أسعار المواد الغذائية بنحو 150 في المائة.

ويؤكد ياسين القاضي، أستاذ الاقتصاد في جامعة صنعاء، أن الصراع الحاصل في العملة يفاقم انهيارها ويوسّع من معاناة المواطنين، في ظل أزمة إنسانية طاحنة تشهدها جميع المناطق اليمنية بسبب الحرب، حيث تشهد الدولة، بحسب تصنيف الأمم المتحدة، “أكبر أزمة إنسانية في العالم”.

نقلا عن العربي الجديد

تابعنا في Google News
زر الذهاب إلى الأعلى