هل يدفع فيروس كورونا باليمن إلى حافة الهاوية؟

الانباء اونلاين- ريم مجاهد
ضجت حسابات اليمنيين على وسائل التواصل الاجتماعي بمنشورات النعي خلال الشهرين الماضيين، وسط انتشار أنباء عن عدد هائل من الوفيات في أرجاء البلاد.
وتساءل السكان، الذين تحدثوا عن نقص في الأدوية والمستلزمات الطبية، كيف يُتوقع منهم حماية أنفسهم في الوقت الذي بالكاد يستطيعون تحمل نفقة شراء كمامة؟
وكيف يُتوقع من الأسر التي تقطن في غرفة واحدة أن تتقيد بإجراءات التباعد لا سيما عن أقاربهم المسنين والأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا؟
كما أعرب مواطنون عن تعاطفهم مع الأطباء الذين اضطروا لرفض معالجة المصابين بكوفيد-19 خوفاً من التقاط الفيروس ونقل العدوى لأسرهم.
وأظهر فيديو تداوله مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي رجلا في صنعاء يستعد لانتشال جثة بقيت ليومين في دكان بالحي، لأن الأجهزة المسؤولة رفضت المجيء لانتشالها
وتساءل الرجل: إذا عجزت قوة عظمى، الولايات المتحدة، عن مكافحة هذه الجائحة، فكيف سيواجهها اليمن؟ تُعتبر اليمن واحدة من آخر الدول التي أبلغت عن أول إصابة بكوفيد-19، إذ سجلت أول حالة في 10 أبريل/نيسان.
وبحلول نهاية مايو/أيار، كانت جميع المستشفيات الـ 38 المخصصة لاستقبال المصابين بفيروس كورونا في اليمن قد امتلأت.
غير أن الحكومة المعترف بها دولياً لم تؤكد -حتى كتابة هذا التقرير- سوى 323 إصابة فقط منها 80 حالة وفاة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
أما سلطات الحوثيين فقد أكدت أربع اصابات من بينها حالة وفاة واحدة في المناطق الخاضعة لسيطرتها
ومن شبه المؤكد أن هذه الأرقام أقل بكثير من العدد الحقيقي نظراً للاستجابة الفوضوية للجائحة وإخفاء الحوثيين الواضح للحالات في المناطق التي يسيطرون عليها وعدم إجراء اختبارات كافية.
وفي نهاية مايو/أيار، قالت الأمم المتحدة أن اليمن، الذي يبلغ عدد سكانه قرابة 30 مليون نسمة، لديه فقط 675 سرير في وحدات العناية المركزة و309 جهاز تنفس اصطناعي وستة مختبرات للكشف عن فيروس كورونا.
وقد تحدث مركز صنعاء مع أطباء وأخصائيين طبيين في اليمن للاطلاع على التحديات التي تواجه البلاد فيما يخص الاستجابة لفيروس كورونا في ظل نظام الرعاية الصحية الذي “انهار فعليا” حسبما قالت الأمم المتحدة في مايو/أيار.
اعلان عدن “مدينة موبوءة”
أعلنت اللجنة الوطنية العليا لمواجهة فيروس كورونا التابعة للحكومة اليمنية عدن “مدينة موبوءة” في 11 مايو/أيار، بعد ارتفاع عدد حالات الإصابة المؤكدة بكوفيد-19 وتفشي عدد من الأمراض المعدية بعد أن أدت موجة السيول الجارفة في شهر أبريل/نيسان إلى اختلاط مياه الأمطار بشبكات الصرف الصحي تاركة وراءها مرتعا خصبا للبعوض الذي ينشر الأمراض.
وبحسب الدكتورة منى مُكرِد، التي تعمل كصيدلانية في مستشفى الجمهورية التعليمي، أحد أكبر المستشفيات في عدن، فقد شهدت المدينة ارتفاعاً حاداً في عدد الإصابات والوفيات الناجمة عن الملاريا وحمى الضنك والشيكونغونيا، وهي أمراض مستوطنة في المدينة منذ فترة طويلة، وتتشابه أعراضها مع أعراض كوفيد-19.
وقالت الدكتورة منى أن الكثير من الناس لا يثقون بالمستشفيات الكبيرة بسبب سوء سمعتها وعدم جاهزيتها لاستقبال حالات كوفيد-19، وبالتالي يفضلون الذهاب للعيادات الصحية الصغيرة أو المستوصفات داخل المستشفيات الكبيرة، مضيفة أن هذه المرافق الصحية لا تملك اختبارات كشف كافية أو معدات طبية.
لدى المستشفى الذي تعمل فيه الدكتورة وحدة للحجر والفحوصات ولكن سعتها صغيرة، وبالتالي لا تستقبل سوى عدد يسير من الحالات المشتبه بها.
من جهته قال الدكتور إياد الذي يعمل كجراح في مستشفى 22 مايو، إنه لا المستشفيات الخاصة ولا الحكومية لديها أدنى درجة من الاستعداد لمواجهة الإصابات بكوفيد-19، إذ أن جميعها تفتقر إلى المعدات اللازمة. سجلت أول وفاة بفيروس كورونا في عدن في 28 ابريل/نيسان، ما دفع بالأطقم الطبية إلى مغادرة المشافي وبالتالي إغلاقها نتيجة عدم توفير معدات الوقاية الشخصية والموارد اللازمة.
وفي 7 مايو/أيار، تولت منظمة أطباء بلا حدود إدارة مركز علاج كوفيد-19 في مستشفى الأمل بعدن. وهذا المركز هو المرفق الوحيد المخصص لكوفيد-19 في جنوب اليمن.
وبحسب الدكتور إياد، فإن عدد أجهزة التنفس الصناعي في مستشفى الأمل بلغ سبعة أجهزة فقط.
وروى الدكتور إياد كيف استطاع إنقاذ صديق له مصاب بكوفيد-19 حيث جهز شقة صغيرة بأسطوانات الأكسجين وعالجه، بينما فقد صديقا آخر نتيجة عدم تلقيه العلاج اللازم إذ لم يكن هناك سرير شاغر في وحدات العناية المركزة في مستشفى الأمل أو مستشفى الجمهورية.
وأوضح أن بعض الناس يتأخرون في الذهاب لتلقي العلاج الطبي وينتظرون حتى يصلون مرحلة لا يستطيعون فيها التنفس، إذ يعتقدون بداية أنهم مصابون بالملاريا أو الشيكونغونيا التي تتشابه عوارضها مع عوارض كوفيد-19، وأنه برغم العدد الهائل من حالات الشيكونغونيا في عدن فإنه لا يوجد مختبرات للكشف عن الداء.
رددت منظمة أطباء بلا حدود مخاوف الدكتور إياد إذ قالت في بيان نشر بتاريخ 21 مايو/أيار، إن العديد من المرضى يصلون إلى مستشفى الأمل وهم يعانون من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة، مما يجعل إنقاذ حياتهم مهمةً صعبةً.
ما يشير إلى أن العديد من الأشخاص مرضى أو يموتون في منازلهم. وقالت المنظمة أن إحصائيات الدفن سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في عدن.
كما قالت المنظمة أن العدد الكبير من المتخصصين في الرعاية الصحية الذين يتلقون العلاج في مستشفى الأمل، والذين يشملون موظفين من المنظمة نفسها، يشير إلى مدى انتشار المرض.
وأضافت أن معظم الذين يموتون بفيروس كورونا في مستشفى الأمل هم رجال تتراوح أعمارهم بين 40 و60 عاماً، أي أنهم أصغر سنا بكثير ممن يموتون بالفيروس في بلدان أخرى، يعود ذلك على الأرجح إلى أن المرضى الأكبر سنا يتوفون في منازلهم بدلا من تلقي العلاج.
وبحسب الدكتور إياد، فإن المستشفيات الخاصة في عدن ترفض استقبال المرضى المشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، بينما أغلقت بعض المستشفيات الحكومية أبوابها أمامهم بشكل كامل.
وقال الدكتور إياد والدكتورة منى أن رفض الأطباء معالجة أي مريض يشتبه بإصابته بفيروس كورونا يعتبر انتهاكاً لأخلاقيات الطب وقد يكون له عواقب وخيمة، ولكنه مفهوم عندما لم تؤمن لهم معدات الوقاية الشخصية.
كما كشفا عن تجاهل السلطات لمطالب الأطباء بتوفير أماكن وأسطوانات أكسجين لمعالجة المرضى المصابين بفيروس كورونا قبل أن تسوء حالتهم ويمسون بحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي.
وأضاف الدكتور إياد أنه في ظل غياب دعم الحكومة، أطلق ناشطون شباب في عدن حملة في مايو/أيار لتوفير أسطوانات الأكسجين.
صنعاء: عدم تأمين معدات الوقاية الشخصية والحرمان من الرعاية الصحية
أما سلطات الحوثيين بصنعاء، فلم تعلن سوى عن أربع حالات فقط بحلول 29 مايو/أيار، غير أن ما تناقله اليمنيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتطبيق الواتساب، يشير إلى موت الكثير من المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بعد ظهور أعراض فيروس كورونا عليهم.
وقالت الدكتورة هدى، التي تعمل في مستشفى بصنعاء، أن وزارة الصحة التابعة للحوثيين أمرت بتحويل كل حالات التهابات الصدر إلى مستشفيي زايد والكويت اللذين يفتقران لمعدات الوقاية اللازمة.
واوضحت أن إدارة المستشفى الذي تعمل فيه تحاول توفير معدات الوقاية في ظل نقص الإمدادات الذي ازداد سوءًا نتيجة القيود التي يفرضها التحالف العسكري بقيادة السعودية على الواردات إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون بالإضافة إلى الاحتكار ورفع الأسعار، مشيرة إلى أن المساعدات الدولية تبدو شحيحة في هذا الصدد.
وقالت الأمم المتحدة أنها تتجه صوب “منحدر مالي” في اليمن وأن نقص السيولة قد يؤدي إلى إيقاف البرامج الضرورية والتي تشمل برامج لمواجهة كوفيد-19.
وقال الدكتور عبد الله، أخصائي طوارئ وحالات حرجة في مستشفى آخر بصنعاء، إن الجاهزية لمواجهة المرض قد تحسنت في الآونة الأخيرة بعد تأمين معدات الحماية الشخصية للأطباء.
وأوضح أن لجنة الترصد الوبائي التابعة للحوثيين هي الجهة المسؤولة عن رصد أعداد المصابين بفيروس كورونا وعن الإشراف على اختبار “بي سي آر”، أي فحص “تفاعل البوليميراز المتسلسل”، في المستشفيات الحكومية والخاصة.
مبينا أن الأطباء طلبوا توفير اختبار “بي سي آر” في جميع المستشفيات لتتمكن من تشخيص الحالات بدقة، وبالتالي معالجتها إذا اتضح أنها ليست مصابة بفيروس كورونا، أو تحويلها إلى المستشفيات المخصصة لكوفيد-19.
أما الدكتور محمد،وهو طبيب تخدير في مستشفى خاص بصنعاء، فأكد إن المستشفيات تفتقد إلى الجاهزية لمكافحة فيروس كورونا، والأطباء ليس لديهم معدات الوقاية الشخصية، وأن بعض أفراد الطواقم الطبية يشترون كمامات على نفقتهم الخاصة، كما أن بعضهم يضطر إلى ارتداء الكمامة التي تستخدم لمرة واحدة أكثر من مرة نظراً لكلفتها الباهظة.
وقال أن المستشفى حيث يعمل يرفض استقبال أي حالات مشتبه بها خوفاً من العدوى، موضحا أن هذا الرفض منطقي حتى لو لم يكن إنسانيا، نظراً لخطر نقل العدوى للمرضى الآخرين وللطاقم الطبي.
مضيفاً أنه شخصياً مستعد لمساعدة أي مريض شرط أن توفر له الأدوات والموارد اللازمة. وبحسب الدكتور محمد، لم يتلقَ المستشفى حيث يعمل مساعدات من أي نوع لا من السلطات ولا من المنظمات الدولية.
تعز: عدم إجراء اختبارات كافية ونقص في أَسرّة العناية المركزة
في تعز، قال الدكتور عبد المغني المَسَني، المدير الفني لمركز العزل المتخصص “شفاك”، إن طاقم المركز يتكون من سبعة أطباء، واحد منهم فقط متخصص في العناية المركزة، لكن الطاقم بأكمله تلقى دورات تدريبية من منظمة الصحة العالمية.
ويحتوي المركز على 30 سريرا للرقود، وثمان أَسرّة في وحدة العناية المركزة. أما مركز العزل الثاني والوحيد في تعز فلديه سريران فقط في وحدة العناية المركزة.
وأشار المسني إلى أن هذين المركزين غير قادرين على استيعاب مدينة مكتظة بالسكان يستفحل فيها الوباء مثل تعز. أما المشكلة الأكبر بالنسبة للدكتور المَسَني فتتمثل في غياب الفحوصات حيث تزداد الحالات المشتبه بها ولا أحد يستطيع تأكيد إصابتها من عدمه.
وأوضح أن مركز “شفاك” لا يستقبل إلا المصابين بكوفيد-19 وفقاً للمعايير العالمية، مضيفاً أن الأطباء في المركز لم يتلقوا أي دعم حكومي وأن النظام الصحي غير مستعد لمواجهة جائحة كورونا ويعاني من نقص حاد في معدات الوقاية الشخصية.
و كشف أن اثنين من الطاقم الطبي في المركز قد أصيبا بعدوى فيروس كورونا.
استجابة منظمة الصحة العالمية غير كافية
وتعمل منظمة الصحة العالمية في اليمن على افتراض أن “التفشي الفعلي يحدث” الآن في مختلف أنحاء اليمن رغم أن عدد الحالات التي أعلنت عنها السلطات اليمنية لا يزال منخفضا.
وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن ألطاف موساني أن المنظمة تعمل وبشكل منتظم على تقديم المشورة والمعلومات حول كيفية الإعلان عن الحالات والإبلاغ عنها في اليمن، مبينا أنه بحسب اللوائح الصحية العالمية فإن قرار الإعلان عن الحالات يقع على عاتق القادة المحليين.
وقال موساني لمركز صنعاء: إن اليمن لا تمتلك الموارد الكافية للاستجابة بفعالية للتأثير الذي سيسببه فيروس كورونا على السكان، مضيفا: “لا نملك في الوقت الحاضر القفازات (الطبية) والكمامات وغيرها من معدات الوقاية الشخصية للأطباء والممرضين
وتابع :ندرك أن ما بحوزتنا لا يكفي لتغطية الاحتياجات المتوقعة للبلاد.” تعمل المنظمة على الحصول على الإمدادات اللازمة وإيصالها للمستفيدين، ولكن وسط النقص العالمي في الإمدادات المنقذة للحياة، فإن إعطاء الأولوية لليمن يتناسب طردياً مع الاحتياجات الفعلية التي تعلن عنها البلاد.
مشيراً الى أن ما يعقد هذه الجهود أكثر هو العجز البالغ 150 مليون دولار الذي تواجهه المنظمة في اليمن، والذي دفعها إلى إلغاء الحوافز التي تقدمها للعاملين في مجال الرعاية الصحية تدريجياً، بعد أن كانت تدفعها على مدى سنوات لدعمهم في ظل تلقي رواتب بشكل غير منتظم في أحسن الأحوال، كما دفعها إلى خفض الدعم الذي تقدمه لتوفير إمدادات إلى المراكز الصحية.
وقال موساني إنه في غياب الموارد، تركز منظمة الصحة العالمية على الوقاية وتكثيف المشاركة المجتمعية وأنشطة التوعية. تساهم منظمة الصحة العالمية وشركاؤها في تجهيز وتحديث وحدات العزل في المستشفيات الـ 38 التي خصصتها السلطات لحالات كوفيد-19، وتعمل 18 وحدة الآن بكامل طاقتها.
لافتا الى ان منظمته تدعم 333 من فرق الاستجابة السريعة الموزعة على جميع مديريات اليمن حيث يتكون كل فريق من خمسة أشخاص مسؤولين عن الكشف والتقييم والاستجابة للحالات المشتبه إصابتها بفيروس كورونا.
ورغم هذه الجهود، فإن الاحتمالات ليست جيدة حسب موساني، الذي قال أن اليمن يواجه مجموعة من العوامل الخطيرة تشمل انخفاض مستويات المناعة وأقصى درجات التعرض للأمراض وهشاشة النظام الصحي الذي لا يستطيع التعامل مع أي أزمة إضافية.
وأضاف موساني: “نفعل ما في وسعنا ولكن، بالطبع، كل هذا لا يكفي”، مشدداً على أنه يجب على الجميع في اليمن – من السلطات إلى المجتمع والزعماء الدينيين والمعلمين والآباء والأمهات والأطفال – الوقوف صفا واحدا ليحظوا بفرصة ضد كوفيد-19.