أزمة اليمن: الطريق إلى الحرب ..كتاب جديد للباحثة البريطانية هيلين لاكنر

الانباء اونلاين – متابعات

صدرت الطبعة الثانية من كتاب “أزمة اليمن: الطريق إلى الحرب” للكاتبة والأكاديمية والباحثة البريطانية هيلين لاكنر، متضمنة بعض الاضافات بالتطورات الاخيرة في اليمن تميزت بها عن  الطبعة الأولى من الكتاب التي صدرت في 2017 عن دار المرايا للانتاج الثقافي في العاصمة

الكتاب الذي ترجمته الى العربية الصحفية والمترجمة، دينا جميل، صدر في 336 صفحة من القطع الكبير، وجاء غلاف نسخته الإنجليزية بلون أحمر، يرمز للدماء المهدرة في اليمن، أما النسخة العربية فالغلاف رسم لمبنى على الطراز اليمني وبندقية ترمز إلى الحرب، لتكون متماشية مع موضوع الكتاب، بالإضافة للون الأحمر

مؤلفة الكتاب  الكتابة هيلين لاكنر عرف عنها اهتمامها الكبير بالشأن اليمني وحرصها الشديد على تتبع التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلد الذي عاشت فيه لعقود، مما مكنها من معرفة المجتمع اليمني والاحتكاك به عن قرب بدأت عرض كتابها بخارطة زمنية لتسلسل الأحداث المهمة التي مرت باليمن منذ الاحتلال البريطاني 1939، وحتى عام 2017، تُسهل على القارئ متابعة الأحداث وتسلسلها.

واستندت المؤلفة للعديد من المراجع، منها قرارات مجلس الأمن، والعديد من المواقع الإخبارية، بالإضافة للإحصائيات الرسمية، وتقارير منظمة العفو الدولية وغيرها من الجهات، بالإضافة إلى إشارتها في  مقدمة كتابها لعقد بعض الجلسات مع سكان اليمن وهو ما تحفظت الكاتبة في ذكر أسمائهم سواء في المقدمة أو في قائمة المراجع، الملحقة بالكتاب.

أما مترجمته دينا جميل، فارادت بترجمتها لهذا الكتاب الذي يضم بحثا موسعا عن اليمن، ان تسهم في استنتاج حل للأزمة اليمنية، وقد استخدمت المترجمة أسلوب كتابة يسهل على القارئ فهمه ومتابعته بسلاسة ودون ملل، وهو ما يجعل الكتاب يصلح للقارئ العادي، وكذلك للباحث المتخصص، وللمشتغلين بالسياسة، ومتخذي القرار

تضمن الكتاب عشرة فصول، بخلاف المقدمة، والخاتمة وجاء الفصل الأول بعنوان “كيف أدت انتفاضة 2011 والفترة الانتقالية إلى الحرب؟” وهو السؤال الذي أجابت عنه المؤلفة من خلال تتبع، اندلاع الثورة اليمنية، ومؤتمر الحوار الوطني، ويتناول أيضًا، الحرب وتدويلها 2015، وظهور تحالف تقوده السعودية 2017.

وأرجعت المؤلفة فشل العملية الانتقالية في الفترة بين (2011 ـ 2015) إلى “أن جميع صانعي القرار في هذا الصراع، سواء كانوا يمنيين أو أجانب، كان دافعهم الأكبر هو المصالح الشخصية التي تتراوح من السعي لتحقيق مكاسب مالية إلى ممارسة السلطة والسيطرة” ص45.

“اليمن والعالم.. من العزلة إلى الاندماج في الجغرافيا السياسية الإقليمية، والعالمية”، هو موضوع الفصل الثاني الذي تناول محطات رئيسية في علاقة اليمن الخارجية، وكيف كلف تصويت اليمن ضد قرار مجلس الأمن 678، مبلغ 70 مليون دولار كانت ستقدمه الولايات المتحدة كمساعدات لليمن، وأيضا طرد الكثير من العمال اليمنيين من دول مجلس التعاون الخليجي مما أثر بشكل سلبي على التنمية المحلية.

تناول الفصل أيضا علاقة اليمن بكل من السعودية، ومجلس التعاون الخليجي، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، وكذلك العلاقات مع روسيا والصين، ركزت الكاتبة في نهاية الفصل على توضيح كيف أن تغير سياسة عبد الله صالح من دعم الأصدقاء “العراق” إلى دعم الحرب ضد الإرهاب “الولايات المتحدة” ساهم في تطوير العلاقات مع المؤسسات الدولية والدول الغربية.

أبحرت بنا لاكنر في فصلها الثالث “الجمهوريتان اليمنيتان والتوحيد (1962 ـ 2011)” إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكيف أن الإطاحة بالإمامة 1962 غيرت مسار الجمهورية اليمنية، واندلاع حربٍ أهلية، وانقسام اليمن لعقود، ثم توحيدها مرة أخرى، مايو 1990، ركزت لاكنر على التغيرات التي طرأت على المجتمع في كل مرحلة من مراحل التحول السياسي.

الإسلاموية: الواقع والأسطورة”، و”الحركة الحوثية.. من العدم إلى مركز المسرح”، هما عنوانا الفصل الرابع، والخامس، تناولت فيهما الكاتبة الإسلام السياسي في اليمن، فأولهما، عن الحزب السني الرسمي “حزب الإصلاح” والعديد من الجماعات الجهادية وطبيعة العلاقة بينهم وبين النظام، وعلاقة الجهاديين بالقبائل، أما ثانيهما فيبحث في الأصول الشيعية للحركة الحوثية، ويتتبع تطورها.

عن النزعة الانفصالية الجنوبية كان الفصل السادس وفيه تتبع المؤلف إحدى التهديدات الرئيسية للوحدة اليمنية، وهي الحركة الانفصالية في الجنوب.

“قوضت التغيرات السياسية والاقتصادية في العقود الأخيرة هرمًا اجتماعيا معقداً حُددت فيه مكانة الناس حسب المهنة والولادة. ومع ذلك هناك بعض المجال للتفاؤل، حيث يحتضن اليمن حاليًا العناصر التي سوف تولد في نهاية المطاف هيكلًا اجتماعيًا جديدًا يعكس التحول الموازي للعلاقات الاقتصادية الحالية والمستقبلية” ص 189.

حول تطور البنية الاجتماعية في اليمن جاء الفصل السابع، تتبعت فيه الكاتبة البنية الاجتماعية الأولى لليمن والتي تتسم بالقبلية، وعلاقة القبائل بالدول والتطورات التي طرأت على هذه البنية في الستينيات، وما تلاها من عقود بعد قيام الجمهورية، كما تتطرق إلى مكانة المرأة في المجتمع اليمني وما طرأ عليها من تغير.

جاء الفصل الثامن بعنوان “ندرة الموارد والاستحواذ عليها.. مسائل حياة وموت” وفيه اهتمام خاص بقضيتي المياه والموارد المعدنية، فاليمن يعرف هنا ندرة الموارد المائية، وزيادة استهلاك المياه في  الزراعة بطريقة الري، وما تشكله هذه الندرة من خطر لا يقل عن خطر الحرب الأهلية، وبالرغم من محدودية موارد اليمن من النفط والغاز فإنها أساس رئيسي في اقتصاد اليمن.

“سياسات الليبرالية الجديدة وتفاقم الفقر” هو موضوع الفصل التاسع تقف فيه المؤلفة على الوضع الاقتصادي لليمن والمساعدات التي تلقتها، وكذلك البطالة، وعمالة الأطفال، والفساد الذي تأصل في النظام اليمني مما أسهم بشكل مباشر في زيادة الأزمة الاقتصادية.

عقدت الكاتبة مقارنة بين الريف والحضر، تناولت فيها مقومات الحياة والتنمية ومستوى المعيشة، وكذلك انتقال السكان من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، يعد هذا الفصل نظرة أكثر قربًا من الحياة في اليمن قبل الحرب.

“اليمن إلى أين؟” هو سؤال الختام لدى لاكنر، في النسخة الإنجليزية من الكتاب، فيه تجمل المؤلفة الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لليمن، وتقيم تدويل الحرب وأثرها على المستقبل: “لقد قفزت الحرب قفزة هائلة نحو الهاوية بتدويلها” ص290. كما تُبرز هيلين صعود التطرف والانقسامات، مما ينبئ بصعوبة عودة اليمن إلى ما كانت عليه، حتى وإن توقفت الحرب من الخارج، فالحرب الداخلية أكثر صعوبة خصوصًا في ظل ندرة الموارد الاقتصادية، وانهيار البنية التحتية في اليمن. وتشير المؤلفة في خاتمة الكتاب إلى أن التربُح من الحرب، يجعل الفصائل اليمنية وحلفاءهم الدوليين لا يهتمون لشعب اليمن، إنما بأرباحهم.

ألحقت هيلين النسخة العربية بخاتمة إضافية، فيها قدمت بعض الأحداث التي وقعت بعد 2017 وحتى 2019 والتي تتماشى مع ما قدمته وما استنتجته سابقًا، فالحرب لم تتوقف، وبالطبع تجارة الأسلحة وغسيل الأموال لصالح كبار بعض رجال الدولة، كذلك انكماش الناتج المحلي، وتدهور الأوضاع المعيشية، بالإضافة لصعود النزعة الانفصالية.

واختتمت لاكنر الكتاب بالقول: “في مواجهة هذه السيناريوهات المحبطة، هناك أمل في أن يكون جيل الشباب الذي استفاد من التعليم، على دراية بالاضطرابات الاجتماعية السابقة، ولديه ضمير اجتماعي، وملتزم بالتنمية العادلة، وسينضم إلى البالغين في النضال من أجل تحسين الظروف المعيشية للجميع. فلنأمل أن تكون لهم السيادة ليمنعوا النتيجة المحبطة” ص312.

تتبع الكاتبة جميع فصولها تقريبا بخاتمة تجمل فيها موضوع الفصل وما استخلصته من خلال بحثها وكذلك رأيها.

تابعنا في Google News
زر الذهاب إلى الأعلى