العربية تتساءل : هل سيكون مصير “ولاية الفقية” في إيران كمصير الشيوعية «تقرير خاص»

نشرت تفاصيل رسالة الخميني إلى غورباتشوف

الانباء اونلاين – متابعات:

تساءلت قناة العربية الفضائية ،في تقرير خاص نشرته اليوم، كيف سيكون مصير نظام ولاية الفقيه القائم في إيران منذ قيام الثورة الاسلامية في 1979 وكيف ستكون نهاية هذا النظام  بعد مرور أكثر من 4 عقود من قيامه.

ونشرت القناة في تقريرها تفاصيل الرسالة التي بعث بها زعيم الثورة الإسلامية في إيران روح الله الخميني، في يناير 1989، أي قبيل وفاته بـ 5 أشهر إلى الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل غورباتشوف متسائلة عن مصير نظام”ولاية الفقيه” في إيران هل سيكون كمصير الشيوعية في الاتحاد السوفيتي ؟

مبينة أن وفدا إيرانيا رفيعا ضم كلا من الشيخ عبد الله جوادي آملي، والسيدة مرضية دباغ، وسفير إيران حينها في الاتحاد السوفيتي ناصر نوبري،مساعد شؤون أوربا وأميركا في وزارة الخارجية جواد لاريجاني، نقل تلك الرسالة الى غورباتشوف والذي استقبلهم واستمع للرسالة بكل هدوء ودون انفعال.

وأورد التقرير جزءا من بعض ماورد في رسالة الخميني التي كتبها بلغة جازمة، قال فيها “اتضح للجميع أن البحث عن الشيوعية يجب أن يتوجه من الآن فصاعداً إلى متاحف التاريخ السياسي العالمي”، مستطرداً “أما لماذا؟ فلأن الماركسية لا تلبي شيئاً من احتياجات الإنسان الحقيقية” بحسب وجهة نظره، فهو مؤمن بأن “النظام الإسلامي” وحده القادر على تلبية احتياجات البشر المادية والمعنوية، ولا شيء سواه!

وتابع التقرير تساؤلاته قائلا: بعد نحو 33 عاماً على الرسالة التي شكلت حدثاً سياسياً حينها، هل يمكن أن تحصل “النبوءة” في الاتجاه المعاكس، ما يعني أن “البحث عن ولاية الفقيه، يجب أن يتوجه من الآن فصاعداً، إلى متاحف التاريخ السياسي العالمي”، خصوصاً مع حركة الاعتراض الكبيرة المتنامية في الشارع الإيراني، والذي تنادي قطاعات واسعة فيه بضرورة إنهاء حكم رجال الدين.

وأضاف :لقد عَابَ الخميني على “الشيوعية” الكثير من النواقص، التي جعلتها غير قادرة على أن تكون المحرك الفكري والفلسفي وحتى السياسي العملاني لدولة كبيرة في العصر الحديث كالاتحاد السوفيتي، وهو الأمر الذي أدى تالياً إلى تفككها إلى عدة جمهوريات، العام 1991.

لافتا  الى أن هذا الخلل الداخلي في “النظام”، يجده كثيرٌ من المراقبين واقعاً في بنية “الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، التي سعت لـ”تثوير الإسلام” من أجل أن يكون المحرك الأساسي لـ”الدولة”، غافلين عن أن “الدولة الوطنية الحديثة” هي كيان “مدني” وليست كياناً دينياً، وأن تلبية احتياجات الناس يجب أن تتم في الحياة الدنيا لا في الدار الآخرة.

واستعرض التقرير بعض أوجه الشبه بين النظامين ( ولاية الفقيه والشيوعية ) والقواسم المشتركة لعوامل تفككهما من بينها مركزية “الولاية” مبينا في هذا السياق أن “الشيوعية” كانت هي العصب الفكري لـ”الاتحاد السوفيتي”، في حين شكلت “ولاية الفقيه” لُب “الخمينية السياسية”، التي قاد فكرها الدولة في إيران بعيد الإطاحة بحكم الشاه الراحل محمد رضا بهلوي، العام 1979.

وجاء في التقرير : في الفصل الأول من الدستور الإيراني، وضمن “الأصول العامة”، وردت المادة الخامسة، والتي تنص على أن “في زمن غيبة الإمام المهدي.. تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وذلك وفقاً للمادة 107”.

واضاف : هذه “الولاية العامة” في الأمور الحكومية والسياسية، والتي يختلف حولها الفقهاء المسلمون الشيعة – حيث يعترض عليها جمهور من العلماء – رُسخت في “الدستور” الجديد، بل هي ركنٌ أساسُ فيه، لأنه “عندما كان النظام الطاغي فـي قمة جبروته وسيطرته على الشعب، قدم الإمام الخميني فكرة الحكومة الإسلامية على أساس (ولاية الفقيه)، مما أوجد فـي الشعب المسلم دافعاً جديداً متميزاً ومنسجماً ورسم له الطريق الأصيل نحو الجهاد العقائدي الإسلامي، وازداد التلاحم الثوري بين صفوف المجاهدين المسلمين والملتزمين، فـي داخل البلاد وخارجها”

مشيرا الى نصِ ما جاء في مقدمة “الدستور الإيراني”، والذي اختزل بذلك جميع الحراك “النضالي” المناوئ للشاه محمد رضا بهلوي، والذي شاركت فيها مجاميع وطنية وشيوعية ويسارية؛ اختزل كل ذلك التنوع الاجتماعي والثقافي والسياسي، لتكون “ولاية الفقيه” هي رأس الحرب، وهي المبتدأ والمنتهى.

ونوه التقرير الى انه وبدلاً من أن يكون “الولي الفقيه” بمثابة الخادم للشعب، والمستمع لمتطلباته، والعامل على تحقيق طموحه، جاءت مقدمة “الدستور”، لتشير إلى أنه و”اعتماداً على استمرار ولاية الأمر والإمامة، يقوم الدستور بإعداد الظروف المناسبة لتحقيق قيادة الفقيه جامع الشرائط والذي يعترف به الناس باعتباره قائداً لهم (مجاري الأمور بيد العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه)، وبذلك يضمن الدستور صيانة الأجهزة المختلفة من الانحراف عن وظائفها الإسلامية الأصيلة”.

وبذلك، يكون “الولي الفقيه” في مرتبة أعلى من الشعب، بحيث يكون الأخير مجرد مطيع له، وعاملٍ على تهيئة الظروف المناسبة لتطبيق قراراته، وكأن الإيرانين عندما اعترضوا على سياسات الشاه، وجاء الموسوي الخميني نتيجة تضحياتهم، قاموا باستبدال “التاج” بـ”العمامة” وحسب! فيما الغاية التي كانوا يسعون لها هي العدالة والحرية.

وتطرقت قناة العربية في تقريرها الى ما اسمته بالتغيير الممتنع بالعودة إلى رسالة آية الله الخميني إلى السيد ميخائيل غورباتشوف، فقد ورد فيها قوله “عسى أن تكون جرأتكم وشجاعتكم في التعامل مع حقائق الواقع العالمي منبعاً لإحداث تغييرات”، وهذه التغيرات عليها أن تتم وفق الرسالة بـ”شجاعة”.

وأكدت أنه وبعد 3 عقود خلت، يمكن أن يتساءل المحللون السياسيون عن وجود هذه “الشجاعة” من عدمها ليس لدى القادة “الروس”، وإنما لدى القادة السياسيون في إيران، خصوصاً في التعامل مع التظاهرات الأخيرة التي حدثت بُعيد مقتل الشابة مهسا أميني، 16 سبتمبر 2022؛ والتي دفع موتها العديد من الإيرانيين إلى الاحتجاج على أسلوب تعاطي الحكومة مع “الحريات المدنية” وإدارتها لملف الحقوق العامة للشعب!

واستشهدت : وبالرغم من اعتراف مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، بأن هنالك “أزمة” حين قال “بالطبع هناك بلا شك أزمة اقتصادية ومعيشية”، أثناء لقائه بعدد من أهالي مدينة “قم”، فإنه ألقى بالمسؤولية الكبرى على “الخارج”، معتقداً أن “يد العدو الأجنبي في هذه الأحداث كانت واضحة تماماً، وعلى الرغم من وضوح تورط العدو الأجنبي، فإن بعض الناس ينكرون ذلك ويقولون إن هذه الحوادث سببها خطأ النظام”.

معتبرة ان هذا “الإنكار الإيراني”، تجاه مسؤولية النظام عن التردي المعيشي والاقتصادي، وتزايد السخط الشعبي، مشابه للإنكار الذي مارسه القادة الشيوعيون في الاتحاد السوفيتي، قبل انهياره؛ وهو ذات ما حذر الخميني، غورباتشوف منه، إلا أن الثورة اليوم “تأكل أبناءها”، عوض أن تبدأ في التغيير والإصلاح الداخلي بشجاعة، وكأنها تقدم الترياق لغيرها، فيما الداء فيها يستفحلُ.

تقرير القناة تحدث ايضا عن العقلية الغيبية قائلا ما يجعل التغيير أكثر صعوبة في إيران، هو ارتباط تفكير مجموعة من النخبة الحاكمة المتشددة بـ”الغيب”، والتفكير الديني – الماورائيبالاشارة الى مانقله موقع “إيران إنترناشيونال”، عن ممثل خامنئي وإمام جمعة مشهد، أحمد علم الهدى، قوله إن “العالم كله يحاربنا”، مرجعاً ذلك لـ”العداء مع ذلك الرجل المتخفي (المهدي)، لا يريدونه أن يظهر، فيحاربوننا لأننا أدوات ظهوره، إذا توقفنا عن القيام برسالتنا هذه، فسوف يتوافقون مع اقتصادنا وسياستنا”.

واوضخ أن تصوير “الثورة الإيرانية” وكأنها الدولة “الممهدة للمهدي”، وأن المرشد الأعلى عليه مسؤولية تسليم الراية إلى “صاحب العصر والزمان”، فضلاً عن أنه ينطوي على مصادرة لرأي جمهور واسع من المسلمين الشيعة لا يؤمن بأن هذا هو دور إيران، فإنه عمل يؤدي إلى التماهي بين الدولة والمقدس، ويجعل كل إيراني ينتقد السياسات العامة لـ”الولي الفقيه” أو يعترض علانية وصراحة على النظام الحاكم، وكأنه في خانة “الأعداء للدين”.

إن إيران ومنذ بدء الحكم الثوري فيها، بات حضور الدين متضخماً في كثير من مفردات الحياة، وحتى في القضايا السياسية، التي باتت تفسر من النخبة المتشددة من منظار ديني؛ وهذ يتضح أيضاً في رسالة الخميني إلى غورباتشوف، عندما اعتبر أن “مشكلة بلدكم الأساسية لا تكمن في مشكلة الملكية والاقتصاد والحرية”، بل “هي فقدان الإيمان الحقيقي بالله، وهى نفس مشكلة العالم الغربي التي قادته إلى الانحطاط وإلى الطريق المسدود، أو ستجره إلى ذلك”.

وتابع التقرير : هنا “العقل الإيماني – الغيبي” يقفز على الحقائق المادية والعلمية، ليعتبر أن “الإيمان” هو المدماك الأساسي للتقدم من عدمه، فيما “الثورة الصناعية” في أوربا، أو “التقدم التكنولوجي” في الولايات المتحدة، وحتى نهوض “النمور الآسيوية” جاء بناء على الاقتصاد والعلم ومن خلال مراكز البحوث والجامعات والخطط الاستراتيجية بعيدة المدى، والاعتماد على الخبراء، لا رجال الدين.

واستطرد بالقول : ما يزيد من صعوبة حدوث التغيير الحقيقي في بنية النظام الإيراني، ليس فقط خوف مؤسسة الحكم من فقدان السيطرة على الشارع العام، وليس توجسها الدائم من “الخصوم” الإقليميين والدوليين، وحسب. وإنما أيضا الثقة الكبيرة في الذات التي تجعلها لا تبصر الأخطاء، واعتقادها أن “الجمهورية الإسلامية في إيران وباعتبارها أكبر وأقوى قاعدة للعالم الإسلامي؛ تستطيع بيسر أن تسد الفراغ العقائدي في نظامكم”، كما جاء في رسالة روح الله الموسوي الخميني إلى ميخائيل غورباتشوف.

مؤكدا أن عقائدية التفكير لدى النواة الصلبة الحاكمة في إيران، تجعلها تتيقنُ أنها النموذج الأكثر صلاحاً، وأن النواقص التي تعتريها إنما هي بسبب “الحصار الإمريكي”، رغم أن ذات الشخصية التي حملت الرسالة قبل أكثر من ثلاثة عقود إلى الرئيس غورباتشوف، وهو الشيخ عبد الله جوادي آملي، والذي يعتبر أحد المرجعيات الدينية في حوزة “قم” في الوقت الحاضر، قال في تصريح له إن “الشعب الذي يعاني من كسر في عموده الفقري لا يملك القوة للنهوض، ناهيك عن المقاومة للوصول إلى الاقتصاد المقاوم”

معتبراً أن “العمود الفقري للشعب هو ثروة البلاد، وإذا لم یستطع الحفاظ على عموده الفقري؛ فهو فقير؛ كُسر عموده الفقري”، بحسب ما نقل موقع “إيران إنترناشيونال”.

واختتمت قناة العربية تقريرها الخاص بالتساؤل مجددا : هل الترياق الذي حمله معه آملي في رسالة الخميني إلى غورباتشوف، ظناً منه أنه السبيل إلى الإصلاح، وجد وبعد سنوات أنه لم يجدي نفعاً في حل مشكلات إيران قبل سواها.

 

 

 

 

تابعنا في Google News
زر الذهاب إلى الأعلى