القضاء الفرنسي يلغي مذكرة توقيف بحق بشار الأسد

الأنباء أونلاين– باريس :
أسقطت محكمة التمييز الفرنسية، الجمعة، مذكرة توقيف صادرة بحق الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، على خلفية اتهامه بالتورط في هجمات كيمياوية وقعت عام 2013 قرب العاصمة السورية دمشق، وأودت بحياة أكثر من ألف مدني.
وبررت المحكمة أسباب إسقاطها للمذكرة أن رئيس الدولة يتمتع بحصانة مطلقة أمام القضاء الأجنبي خلال فترة ولايته، رافضة أي استثناءات يمكن أن ترفع هذه الحصانة.
إلا أن رئيس محكمة التمييز، كريستوف سولار، ألمح في ختام جلسة علنية بثّت لأول مرة مباشرة عبر الإنترنت، إلى إمكانية اتخاذ إجراءات جديدة بحق الأسد، بعد الإطاحة به في ديسمبر 2024،
وقال سولار في تعليقه على قرار محكمة التمييز: “من الممكن أن تكون مذكرات توقيف جديدة صدرت أو ستصدر بحقه”، مؤكداً أن التحقيقات القضائية ضده يمكن أن تستمر.
وكان القضاء الفرنسي قد أصدر في نوفمبر 2023 مذكرة توقيف تاريخية ضد الأسد بتهم التواطؤ في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب،
وصدرت المذكرة أعقاب الهجمات الكيميائية التي استهدفت مناطق عدرا ودوما ومعضمية الشام والغوطة الشرقية، وأسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص وإصابة المئات، بينهم ضحايا يحملون الجنسية الفرنسية.
واعتمد التحقيق الفرنسي على مبدأ “الاختصاص القضائي العالمي”، الذي يتيح ملاحقة مرتكبي الجرائم الجسيمة مثل الإبادة وجرائم الحرب، حتى إن لم تقع داخل الأراضي الفرنسية.
وأجرى قضاة التحقيق في وحدة الجرائم ضد الإنسانية بمحكمة باريس، منذ 2021، تحقيقاً معمقاً شمل مراجعة شهادات منشقين وناجين، وصوراً وخرائط ومقاطع فيديو موثقة.
وأسفرت التحقيقات عن إصدار أربع مذكرات توقيف بحق الأسد، وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة، وضد ضابطين بارزين في الأجهزة العسكرية السورية هما غسان عباس وبسام الحسن. لكن النيابة الوطنية الفرنسية لم تطعن إلا في المذكرة الخاصة بالرئيس السوري، بذريعة الحصانة الرئاسية.
خلاف قضائي حول الحصانة
في يونيو 2024، أيدت محكمة الاستئناف في باريس مذكرة التوقيف رغم دفوع النيابة التي استندت إلى القانون الدولي وقرار محكمة العدل الدولية عام 2002، والذي يؤكد أن رؤساء الدول يتمتعون بحصانة شخصية كاملة أثناء توليهم مناصبهم.
غير أن المدعي العام لدى محكمة التمييز، ريمي هيتز، دافع عن إبقاء مذكرة التوقيف ضد الأسد، بحجة أن الجرائم المنسوبة إليه لا يمكن اعتبارها جزءاً من مهامه الرسمية كرئيس.
واقترح هيتز مساراً ثالثاً، معتبراً أن فرنسا لم تعد تعترف بشرعية بشار الأسد كرئيس منذ 2012، بسبب تورط نظامه في “جرائم جماعية ممنهجة”، ما يبرر تجاوز مفهوم الحصانة، على الأقل من الناحية الأخلاقية والسياسية.
تبدّل الحسابات الدولية
ورغم إسقاط مذكرة التوقيف بحكم الحصانة، فإن المعادلات القانونية قد تتغير في ضوء التطورات السياسية الأخيرة، وعلى رأسها الإطاحة ببشار الأسد نهاية عام 2024، وفراره إلى روسيا، ما يفتح الباب واسعاً أمام إصدار مذكرات توقيف جديدة ضده بصفته مواطناً عادياً لا يتمتع بأي غطاء رسمي.
ويشكل قرار المحكمة، رغم دلالته القانونية، انتكاسة كبيرة للضحايا ومنظمات حقوق الإنسان مثل “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” و”مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح”، الذين شاركوا في رفع الدعوى ضد الأسد، وأملوا بأن يشكل الحكم سابقة قانونية تُسقط الحصانة عن الرؤساء المتورطين في جرائم جسيمة.
تأثيرات محتملة
وأثار القرار انتقادات من النشطاء والمراقبين الذين اعتبروا أن التمسك بمفهوم الحصانة الشخصية يمنح قادة الدول المتهمين بارتكاب فظائع حماية غير مبررة أمام العدالة الدولية.
وفي تعليق لوكالة “أسوشيتد برس”، اعتُبر القرار “خيبة أمل كبيرة”، وكان يمكن أن يشكل منعطفاً قانونياً يُعيد هيكلة قواعد محاسبة الرؤساء في حال تورطهم بجرائم ضد الإنسانية.
لكن، وبحسب مراقبين قانونيين، فإن إسقاط الحصانة لا يعني نهاية المسار القضائي بحق الأسد، بل ربما يُطلق مرحلة جديدة من المحاسبة بعد زوال موقعه الرسمي، خاصة مع تزايد التحركات القضائية في أوروبا ضد رموز النظام السوري بموجب الولاية القضائية العالمية.