حكم تقبيل الركب
كتب أ.د/ محمد الوزير الوقشي
سئلت عن حكم تقبيل الركب لأي شخص كان سواء كان ذكرا أم انثى ، وسواء كان عالما أم جاهلا ، وسواء كان كبيرا ام صغيرا ، وسواء كان والدا أم غيره .
وكذلك سئلت عن حكم الانحناء والسجود لغير الله .
ومع أن حكمه واضح جدا ، ولكن جوابا على سؤال قد طرح .
فأقول الجواب والله الموفق للصواب :
أولا : من حيث التكييف فإن صورة المسألة فيها انحناء وتقبيل ، والانحناء مظهر من مظاهر العبودية للخلق ، وأعظم مقاصد الشرع توحيد العبودية للحق سبحانه ، وإخراج العباد من عبودية العباد الى عبادة رب العباد .
ثانيا : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ : لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنَ الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : ” مَا هَذَا يَا مُعَاذُ ؟ ” قَالَ : أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَقْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ، فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ نَفْعَلَ ذَلِكَ بِكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” فَلَا تَفْعَلُوا، فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ، لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا “.
اخرجه أحمد في المسند وابن ماجه في السنن .
قوله : (لا تفعلوا ) نهي والنهي يقتضي التحريم ، ولو كان هناك شخص يستحق الانحناء له والسجود لكان محمدا صلى الله عليه واله وسلم ، ولكنه نهى أصحابه عن فعل ذلك فغيره منهي عن السجود والانحناء له من باب أولى .
ثالثا : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ، أَيَنْحَنِي لَهُ ؟ قَالَ : ” لَا “. قَالَ : أَفَيَلْتَزِمُهُ، وَيُقَبِّلُهُ ؟ قَالَ : ” لَا “. قَالَ : أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ ؟ قَالَ : ” نَعَمْ “.
اخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وحسنه الترمذي وابن حجر والألباني .
والحديث ظاهر في النهي عن الانحناء والتقبيل .
ثالثا : قد كان السجود جائزا في الأمم السابقة لغير الله ، ويكون بقصد الإحترام والتقدير كما سجدت الملائكة لآدم ، وكسجود أخوة يوسف وأبيه وأمه له ، وهو عادة هندية وصينية ويابانية ، ولكنه هذا منسوخ في شريعتنا للأحاديث السابقة وقد قال الله : ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) المائدة 48 .
ووجه المنع في شريعتنا سدا لباب الذريعة ، وسد الذريعة أصل من أصول الشريعة ، وذلك لكون الانحناء والسجود ذريعة إلى الشرك بالله .
وعليه فهو مما تختلف به المقاصد ، فالظاهر في الشريعة منعه لكنه لا يحكم على فاعله بالشرك ، لأن العبرة في الشريعة بالمقاصد .
رابعا : عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ : مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلًّا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهَا، كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ، وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا.
اخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى بسند صحيح .
ففي الحديث دلالة على جواز القيام لإجلاس الداخل إن كان والدا أو ابنا وتقبيل كل منهما الآخر بلا انحناء او سجود .
ويحمل النهي عن التقبيل في الحديث السابق على غير الوالد والابن ، ويكون النهي للكراهة .
خامسا : لا خلاف في جواز بل استحباب تقبيل الأطفال الصغار من الأبناء وغيرهم لأنه من الرحمة التي جعلها الله في قلوب الرحماء من عبادة ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ، فَمَا نُقَبِّلُهُمْ ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَوَأَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ .
اخرجه البخاري ومسلم وغيرهما .
وقد ثبت في أحاديث عدة تقبيله صلى الله عليه واله وسلم للحسن والحسين رضوان الله عليهما ، وقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة .
سادسا : لا يصح حديث في تقبيل الركب أو الأقدام أو العباءة أو اليد او الجبهة غير ما ذكرناه .
سابعا : هذا حكم المسألة في أصل الشرع وللضرورة أحكام فيما إذا خشي هلاك النفس او جرى به عرف كون تركه قلة أدب وقلة احترام ، ويجب بيان الشرع وتعريف الناس بحكم الشرع ، ولا يتجاوز بالرخصة للضرورة محلها ابدا .
ثامنا : لا خلاف في تقبيل الرجل زوجته والعكس ، ويجوز تقبيل كل منهما ما شاء من جسد الآخر ، وهذا ذكرته من باب استكمال حكم التقبيل في الشرع ، وحكمه ظاهر لا ينازع فيه أحد .
والله المستعان .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية