من المستفيد من شيطنة 11 فبراير؟
كتب / فؤاد العلوي
بالنظر إلى إرهاصات حراك 11 فبراير ونتائج هذا الحراك الشعبي الواسع، فإن المستفيد الوحيد من المواقف الآنية التي تحاكم هذه المرحلة من التاريخ لاتخدم سوى الإمامة الحوثية؛ ولا أستبعد شخصيا أن تكون مليشيا الحوثي هي المغذي الخفي لهذه المحاكمة العاطفية والغير خاضعة لمعايير الإنصاف والعدالة.
أسميه حراكا وليس ثورة – مع أن شروط الثورة في 11 فبراير كانت مكتملة – والسبب أن هدف ونتائج ذلك الحراك انصب في إصلاح منظومة الحكم وليس اجتثاثه، وإعادة الوضع إلى سياق أهداف ثورة 26 سبتمبر التي تلتقي كل القوى الوطنية اليوم في الدفاع عنها والإنتصار لأهدافها.
المؤسف أن هناك محاولة لإخفاء حقيقة أن حراك 11 فبراير لم يكن سببا، بقدر ماكان نتيجة تخادمت فيها جملة من الإرهاصات والعوامل المحلية والإقليمية التي قادت لذلك الخروج الجماهيري السلمي في مختلف المحافظات للمطالبة بالإصلاح وإعادة النظام الجمهوري المهدد بالإمامة التي تتمدد شمالا، وبتوجه النخبة الحاكمة في صنعاء لتوريث الجمهورية.
لم يكن الحوثي وليد حراك 11 فبراير، وكذلك تنظيم القاعدة والحراك الجنوبي المطالب بالإنفصال لم يكونا وليدا 11 فبراير، فالحوثيون ولدوا قبلها بسبع سنوات وكانوا في 2010 يسيطرون على صعدة وأجزاء واسعة من محافظات عمران وحجة والجوف، ويتمددون كل يوم.
كذلك تنظيم القاعدة سبق حراك 11 فبراير بأكثر من عشر سنوات، وأصبح في 2010 قوة تفرض سيطرتها على أجزاء من أراضي الجمهورية اليمنية في محافظة أبين، ويتسع ويتمدد كل يوم.
الحراك الجنوبي الذي بدأ في 2004 باحتجاجات مطلبية حقوقية، سرعان ماتحول في 2007 إلى حراك انفصالي يقود احتجاجات وأعمال شغب واسعة، ويقوم بطرد الجيش من مديريات عدد من المحافظات الجنوبية، والتقطع للمواطنين وارتكاب جرائم وحشية بحقهم، وأصبح في 2010 يمتلك قناة مدعومة إيرانيا.
أما في صنعاء فكان هناك حراكا سياسيا على مختلف الأصعدة، استخدم كل الوسائل السليمة لمحاولة إثناء الرئيس الراحل علي عبدالله صالح – رحمه الله – عن توجهه الواضح في الإنحراف بالنظام الجمهوري، والنكوص عن أهداف ثورة 26 سبتمبر، ليصل الأمر إلى الإعلان صراحة عن قلع العداد.
والحقيقة أن انتقال عراب السياسة عبدالكريم الإرياني – رحمه الله – إلى صف المؤيدين لحراك 11 فبراير ومعه كبار السياسيين في البلد لم يكن خطأ سياسيا – كما يحاول البعض تكريسه اليوم – فقد وصلت جميع النخب السياسية حينها إلى قناعة أن حراك 11 فبراير هو النتيجة الطبيعية للسياسات القائمة، والوسيلة الوحيدة للضغط نحو إعادة الجمهورية إلى المسار الصحيح.
وللإنصاف فقد تمخض عن حراك 11 فبراير نتائج إيجابية كبيرة، تستحق من الجميع عدم الانجرار وراء محاولات محاكمة هذا الحراك، ونقله إلى قفص الإتهام، بدلا من إبراز تجلي الحكمة اليمانية فيه بأنصع صورها.
لقد أعقب حراك 11 فبراير انتخاب الرئيس هادي في 21 فبراير 2012، ومن هذا اليوم وحتى 21 سبتمبر 2014 شهدت اليمن حراكا سياسيا وحقوقيا وتنمويا انعكس في تحقيق استقرار اقتصادي وخدمي لم تشهده اليمن منذ عقد من الزمن، وكان من المفترض على الجميع احتساب ذلك نجاحا للتنازلات التي قدمها الجميع من أجل الوصول إلى هذه المرحلة، بدلا من الذهاب إلى شيطنة ذلك الحراك ونتائجه.
لنعترف أن ماحصل قبل 21 سبتمبر 2014 من ارتداد عن التنازلات التي قدمها الرئيس السابق علي عبدالله صالح، والأحزاب السياسية وشباب حراك 2011، وذهاب البعض لمحاولة الانقضاض على نتائج 11 فبراير، لم يخدم تلك الأطراف المشاركة في تقديم التنازلات.
لقد خدم المرتدون عن نتائج حراك 11 فبراير – بقصد أو بدون قصد – مليشيا الحوثي الإرهابية، وقادت حماقاتهم التي مازالت تسيطر على البعض، إلى الوضع الذي نحن فيه، وبدلا من مراجعة المواقف نجد أنفسنا كل عام مع موجة جديدة من الحماقات التي تعمل على توسيع الجرح، كلما شارف على الاندمال.
حراك 11 فبراير لم يكن حراك توكل كرمان، ولا حراك حزبي أو سياسي، بل حراك شعبي شاركت فيه جميع فئات الشعب اليمني بلا استثناء، ومحاولة محاكمة هذا الحراك وجعله في قفص الاتهام هي محاكمة لأنفسنا، وخدمة مجانية نقدمها للتمرد الحوثي الذي يتربع على ريع معاركنا الجدلية الحمقاء.
ليست توكل كرمان هي من أخرجت علي عبدالله صالح من صنعاء، وكذلك حزب الإصلاح لم يكن هو من خرج علي عبدالله صالح من صنعاء، وعلي عبدالله صالح وعوض الزوكا لم تقتلهما 11 فبراير ولا توكل كرمان ولا حزب الإصلاح .. الحوثي هو الذي أخرجنا جميعا من صنعاء وقتل واعتقل وعذب ومارس بحقنا مالا يخطر على بال.
للأسف أننا نبني مواقفنا وفقا لانفعالات عاطفية آنية يمكن وصفها بالساذجة، منجرين وراء الآلة الإعلامية المكرسة لتشويه صورة 11 فبراير الناصعة وشيطنتها، وكل ذلك يصب في خانة نسيان الكارثة الحقيقية الناجمة عن نكبة 21 سبتمبر 2014 فهل من مدكر.
صحفي وكاتب